خطاب التأبين في وفاة مانديلا والحضور الأمريكي

لم يكن الرئيس الأمريكي باراك أوباما وحده يعتلى منصة حفل تأبين الراحل نيلسون مانديلا مُلقياً خطابه في جوهانسبرغ ، حيث العديد من رؤساء القارة الإفريقية وبعض من قيادات المجتمع العالمي شاركت الحدث الكبير إفريقياً وعالمياً.
وقد رافق الرئيس أوباما ثلاث رؤساء أمريكيون سبقوه في حكم الولايات الأمريكية، وهؤلاء الأمريكيون لا يعتلون منصة في آن واحد إلا لهدف مشترك بين الجمهوريون والديموقراطيون، ومهما غلب عليه الطابع الإنساني يبقى حاملاً طابعاً أمريكياً له دلالاته السياسيةللمستقبل الأمريكي.
وقد حرص الرئيس أوباما على تهذيب خطابه بالمصطلحات المُشبعة في مفاهيم حقوق الإنسان والمُغلفة بعبارات النضال والكفاح، وليس غريباً أن نتحدث عن عناية خاصة لخطاب أمريكي موجه الى شعب جنوب إفريقيا في ظل تنافس يشتد حدته بين الشرق والغرب على الجنوب الإفريقي.
وسرعان ما تناول الإعلام المحلي (الجنوب إفريقي) خطاب الرئيس أوباما بعدما فرغ من إلقاء كلماته المُوجه، وقد أخذت ردود فعل الشارع بالقبول والإعجاب، وكأن أوباما قريب من عقول وقلوب أفارقة الجنوب ما قبل خطاب التأبين، وهنا نسأل لماذا لم تكن هذه الأولوية لخطاب الرئيس جاكوب زوما؟، وأين الحضور الصيني والروسي في هذه الإحتفالية العالمية؟.
قد لا يكون هناك خلل في خطاب رئيس البلاد بقدر ما هو أزمة سياسية داخلية قبيل إنتخابات رئاسة مبنى الإتحاد الجنوب إفريقي، فكانت صيحات الجمهور أثناء خطاب رئيسهم زوما بمثابة رفض لبرامجه التنموية أثناء حقبة الرئاسة الحالية، وبذلك لا مقارنة بين خطاب الرئيس زوما والرئيس اوباما، حيث تختلف المعايير والمؤشرات.
فما قبل خطاب التأبين، توجهت التوقعات نحو الحضور الكبير للروس والصينيين، حيث شراكاتم العابرة مع القارة الإفريقية غير الإتفاقيات الضخمة والعلاقات الحميمة مع الجنوب إفريقيين. وتوقعات أخرى أن يستحوذ رؤساء قادة الجنوب العالمي منصة التأبين كالهنود والبرازيليون، حيث مانديلا هو إبن الجنوب وأهل الجنوب هم عشيرتهوهم الأولى بجنازته.
يبدو أن هذه التوقعات لم تعد ذات صلابة من الواقع، وأن الولايات المتحدة الأمريكية فشلت أمام الهيمنة السياسية الروسيةأو أنها عجزت أمام الإستحواذ الإقتصادي الصيني في القارة الإفريقية.
حيث فسرت الصحف المحلية ومنها "ميل آند جاردين" بأن الإعلام تغاضى عن عدم حضور الرئيس الصيني والرئيس الروسي وهم من أهم حلفاء جنوب إفريقيا ضمن تحالف بريكس، معللة أن الراحل مانديلا ايقونة حقوق الإنسان وهاتين الدولتين تحمل ملفات في إنتهاكات حقوق الإنسان.
وبحكم الإطلاع على الشأن الإفريقي، لدينا ثلاث أسباب هامة نضيفها الى هذا الشأن، وقد تكون هي الأسباب الحقيقية التى أدت الى تفوق الخطاب الأمريكي على خطاب أصدقاء جنوب إفريقيا من الروس والصينيين، وهي:

أولاً: العامل اللغوي، حيث اللغة الإنجليزية هي اللغة الأم في جنوب إفريقيا وقد عملت هذه اللغة على إنتشار الثقافة الغربية بكل أشكالها في العلوم والمجتمع، وأخذت تتضح في شكل بناءالأسرة الإفريقية.
وهنا لم يعجز الرئيس أوباما في الوقوف أمام شعب جنوب إفريقيا ويخاطبه كما يخاطب الشعب الأمريكي، حيث أحتضنت اللغة الأنجليزية كلا الشعبين بثقافة واحدة وخطاب سياسي يفهمه كلاهما.
وهذا ما تفتقده روسيا والصين في القارة الإفريقية، وتعمل الصين حالياً على إرسال (1000) طالب جنوب إفريقي سنوياً الى الصين من أجل تقربهم من الثقافة الصينية ولغتها، والأمر قد يطول ويطول.

ثانياً: العامل البرامجي، حيث البرامج الأمريكية في الشؤون الإنسانية كالصحة والتعليم والتى تنتشر في جنوب القارة السمراء هو مؤشر تفوق الأمريكي على الروسي والصيني في الوصول الحقيقي والعملي للأسرة الأفريقية ومعالجة همومها في علاج الأمراض ونشر التعليم المجاني وبناء مساكن للفقراء.

ثالثاً: العامل الإقتصادي،حيث قامت الشراكة بين حلفاء بريكس في محورها السياسي على نهجة يسارية، بينما عجز هؤلاء على جعل تحالفهم الإقتصادي على ذات النهجة، حيث جنوب إفريقيا مضطرة للتعامل الرأسمالي في إقتصادها، وبذلك جميع الأموال الصينية والروسية المُتدفقة الى جنوب إفريقيا يستشعر فيها المواطن الإفريقي بنكهة الإقتصاد الأمريكي.
ونختم بعيداً عن السياسة والإقتصاد، ونقول أن الخطاب الأقرب لشعب جنوب إفريقيا في مناسبة تأبين الراحل مانديلا هو خطاب الرئيس الأمريكي أوباما، حيث لغته وثقافته وإقتصاده الأمريكي ما زال قريباً من شعب جنوب إفريقيا، فهل حلفاء بريكس اليساريون يخدمون أمريكا من حيث لا يشعرون؟!.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جراجمة القدس

الفسيفساء الفلسطينية

الشؤم الفلسطيني