وُلِدتُ بالسعودية

بعض من الشباب الفلسطيني يُغردون على مواقع التواصل الإجتماعي بأنهم مواليد المملكة العربية السعودية التي منحتهم من خيراتها كما لو كانوا سعوديين بالفطرة. موقف رائع وحسن خُلق اكتسبوه من الأرض السعودية العظيمة بمكوناتها الجامعة، على الرغم أنهم الفئة القليلة ولا يتجاوزون عدد أصابع اليد من بين مئات الآلاف من الفلسطينيين الصامتين وهم من مواليد السعودية أيضاً.
لاشك أن الدولة الحاضنة لأركان الهوية لها دور هام في غرس الإنتماء وتنمية الولاء، ولكن لا يمكن التعويل على الولاء المُنبثق من "مكان الميلاد" لمن هم ليسوا من أهل هذه الدولة بسبب ارتباطهم بـ "الضرورة" بالهوية الأم التي تمزقت لظروف قاهرة كاللجوء والنزوح.
وهذا هو حال الشعب الفلسطيني، الذي أعاد تاريخ اليهود في شتاته بالصورة المرسومة؛ فما من أرض أو دولة إلا وقد شهدت مواليد لفلسطينيين في جميع أنحاء العالم بإستثناء القطبين الشمالي والجنوبي، وليس غريباً أن يكون ولاء الشعب الفلسطيني من أبناء الجيل الرابع والخامس موزعاً على أكثر من (150) دولة أو نظامٍ سياسي في العالم.
وبفعل الظروف السياسية الراهنة، نشهد اليوم أشبه ما يكون بـ "تكتل فلسطيني جديد" وهو "فلسطينيو السعودية"، لونه إيجابي على المدى القريب، بينما سوف يحمل الكثير من السلبيات مع الأفق البعيد، وفقاً لتجربة تكتل "فلسطينيي الكويت".
فبعد أن عاد فلسطينيو الكويت إلى الأردن عام 1990م، اعتزلوا المجتمع الأردني في مساكن خاصة لهم بالعاصمة الأردنية عمّان، والتي تمت تسميتها بـ عمّان الغربية أو عمّان الكويتية، حيث كانوا يرفضون مصاهرة فلسطينيي الأردن لإعتبارهم درجة ثانية فقيرة وغير مُتحضرة.
كان فلسطينيو الكويت (كويتيين أكثر من الكويتيين أنفسهم) بدفاعهم عن الكويت، وبعد أن أسقطت السعودية مشروعهم اليساري في الكويت، أصبح فلسطينيو الكويت (إيرانيين أكثر من الإيرانيين أنفسهم) في كراهيتهم للسعودية على مواقع التواصل الإجتماعي.
يعاني الفلسطينيون من "عقدة المناطقية"، وهي ظاهرة البحث عن الحواضن الأرضية لإيواء اللاجئين الفلسطينيين، والأمر طبيعي ومتطلب وفق القوانين الدولية الإنسانية، ولكن مشكلة الفلسطينيين هي عسكرة هذه الحواضن لقلب أنظمة الحكم في الدول المُضيفة بعد تقسيم الفلسطينبين إلى مجموعات متناحرة، كل مجموعة تقاتل من أجل الأرض أو النظام الذي يستضيفه.
إن الحديث عن أي تكتل فلسطيني جديد في الظروف الراهنة كـ "فلسطينيي السعودية" بحجة الدفاع عن السعودية هو بمثابة إطلاق أو إحياء نزعة غرستها الفصائل الفلسطينية الشيوعية وهي "الولاء للأرض المُستضيفة"، وهي أشبه بشرارة حرب سوف يخوضها كلٌ من فلسطينيي العراق وسوريا ولبنان غير فلسطينيي الأردن والضفتنين والمهجر ضد فلسطينيي السعودية.
لذلك لا بد من التخلص من هذه الزاوية الضيقة التي سوف تزيد من هموم السعوديين، بل قد تضطر الدولة السعودية إلى وضع فلسطينيي السعودية على قائمة الإرهاب كما فعل الأردن بعد خوض فلسطينيي الضفة الغربية حروباً بالوكالة عن النظام الأردني.
والشاهد هنا هو أن الولاء والإنتماء أو الدفاع عن المملكة العربية السعودية لا يكون إلا من خلال طرح الثوابت السعودية وقيمها الإنسانية على طاولة المجتمع الفلسطيني، مع مقارنتها بمتناقضات عرب الشمال وقيمهم الشيوعية، دون النظر إلى مكان الميلاد ومكان الإقامة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جراجمة القدس

الفسيفساء الفلسطينية

الشؤم الفلسطيني