الوسط العراقي بين سنية العشائر وسلفية داعش

لا شك أن سقوط بعض المدن العراقية من يد نظام المالكي هو مفاجأة إستفهامية، حيث ما زالت الأوراق مبعثرة، وما نحن عليه هو فتنة عظيمة دبت في بلاد الرافدين والشام.

فتبادل الإتهامات أخذ يملأ صفحات الإعلام العربي، فريق يرى بتبعية داعش لأجهزة إستخباراتية عربية وأجنبية، وفريق يتهم المالكي وحكومته بالخضوع للهيمنة الإيرانية وسياستها الفارسية.

واقول، أنه ليس من الأمانة المهنية كإعلامي الجزم في وضع تصورات مُفسرة حول ما يحدث في العراق، وخاصة في المرحلة الراهنة، ويرجع ذلك لسببين، الأول حول غموض ماهية فريق داعش؛ حيث نجهل نسب أمرائهم وأحوالهم الإجتماعية، وعدم شهادة علماء المدارس الفقهية لهم بالعلم أو المعرفة.

والثاني حول الأخطاء المنهجية في فكر منظومة داعش؛ فسلبية التطبيق لا يعني أنهم ضمن أجندة إستخباراتية خارجية، فالتاريخ الإسلامي شهد تساقط الدول الإسلامية بسبب أخطاء في المنهج والتطبيق، ولم تكن هذه الدول تعمل لحساب أجندات الروم والفرس، حيث كانت الدولة الإسلامية آنذاك هي الأقوى في هذا العالم.

ورؤيتي للمعايير، أن المالكي يقود فريقاً يحمل أجندة إيرانية طائفية، سلبيتها مكتملة الأركان على الوسط العراقي ذي الأغلبية السنية. أما داعش فتقود فريقاً يحمل الكثير من الشبهات حوله، فقد رفضه النظام السوري بأدلة جرائمه، كما رفضته كل من القاعدة والنصرة بأدلة إنحرافه، غير خوض داعش حرباً مع الجيش السوري الحر.

فداعش فقدت الكثير من شعبيتها على المستوى العربي العام، وسرعان ما استعادتها بعد تصريح مفاجئ من بعض وجهاء العشائر العراقية، أن داعش جزء من ثورتها في الوسط العراقي ضد المالكي ومنظومته الطائفية.

كما أن زعماء العشائر العراقية لم يوضحوا للشعب العراقي حقيقة داعش ومنهجها الفكري، وما هي أسباب مشاركتها ثورة العشائر، والجميع يعلم أن مكونات داعش الإجتماعية غَلب عليها الطابع غير العربي من عجم الأتراك والروس.

فالتاريخ لن يرحم وجهاء العراق في حال تورط داعش في جرائم ضد الشعب العراقي ككل، أو فرض نظام سياسي غير  النظام القبلي السني وهو السائد في الوسط العراقي.

وعلى أرض الميدان، فالعشائر العراقية لم تحرك ساكناً خلال ثورة دامت ثلاث سنوات، وعليه لا يُمكن القول أن داعش هي جزء من ثورة الوسط السني السلمية، والحقيقة أن داعش هي الكل في ثورة عسكرية خاضتها ضد الجيش العراقي النظامي بمساندة العشائر العراقية.

وكل الشواهد من الصور والتسجيلات المرئية تشير إلى سيطرة عناصر داعش على جزء كبير من الوسط العراقي، وليس لوجهاء العشائر العراقية غير مجموعة بيانات ورقية تدعو فيه أبناء العشائر للصمود أمام جيش المالكي.

كما أن البيان الذي صدر من داعش ذا البنود العشرة، يحمل دلالات نظام دولة جديدة يخضع تحت حكمها الوسط العراقي دون الإشارة لأي دور للحكم القبلي بين العشائر العراقية أو لبقية الأحزاب السياسية. وقد فسرت المادة العاشرة من بيان داعش (ولاية نينوى) هذا الجانب بأن المجالس والتجمعات والرايات وحمل السلاح غير مقبول عندهم، والضرب بالسيف هو عقوبة المخالفة.

وخلاصة القول؛ أن ثورة العراق قامت على سلمية خلع نظام المالكي بعد تغليبه الفارسية على العربية، غير أن مسار العشائر العراقية انقلب من السلمية إلى العسكرية، وتغليب جماعة داعش ذي الأغلبية العجمية على الأغلبية الفارسية. فما هو مصير الوسط العراقي تحت الحكم السلفي، والذي عاش عقوداً تحت منظومة إجتماعية قبلية وفق منظور الاشتراكية البعثية تليه حقبة قصيرة وفق منظور الشيعية الفارسية. ولا شك أن المرحلة القادمة هي مرحلة صعبة على الوسط العراقي وخاصة مرحلة توزيع الغنائم السياسية بعد خروج الجيش العراقي وإنتهاء حقبة المالكية الشيعية، والبدء في مرحلة ما بين مطالب العشائر السنية في بناء كيانهم المُستقل وما بين طموح داعش السلفي في تكوين دولة العراق والشام الإسلامية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جراجمة القدس

الفسيفساء الفلسطينية

الشؤم الفلسطيني