فلسطين .. ورقة خاسرة في جنوب أفريقيا
نفى حزب (التحالف الديمقراطي) المُعارض في جنوب إفريقيا الإدعاءات القائلة
أن الحزب يتلقى تمويلاً من جماعة ضغط إسرائيلية، وردّ الحزب بدعمه لحل الدولتين
بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ورد هذا في إطار اتهامات وجهها الأمين العام لاتحاد نقابات عمال جنوب
إفريقيا (كوساتو)، وقد برّر ادعاءه بصمت حزب المعارضة تجاه ما يحدث من ممارسات
الفصل العنصري التي تقوم بها إسرائيل ضد الفلسطينيين.
علماً أن حزب المعارضة في جنوب أفريقيا يتمتع بدعم واضح من يهود جنوب
إفريقيا والكثير من المهاجرين الأوروبيين البيض، كما يغلب على اتحاد (كوساتو)
الصبغة الإشتراكية وعلاقاته المُتميزة مع أصحاب هذا المذهب في الخارج.
وللتوضيح، يضم حزب المؤتمر الوطني الحاكم (الحكومة) تحت مظلته تيارين، وهما
(حركة الشباب) و(اتحاد العمال)، ويتبنى كلٌ من التيارين المفاهيم الإشتراكية، فيما
يبقى الحزب الحاكم (الأم) مموجاً بين الليبرالية والإشتراكية مشدداً حرصه على
قرارات المجتمع الدولي شريطة عدم التدخل في شؤون الآخرين الداخلية، مما أكسبه
احترام الشرق والغرب، مع حذر غربي من فروعه الاشتراكية.
وفي رأينا، أن الحزب الحاكم أخذ يضغط على الغرب بتصريحات فروعه الإشتراكية
ليعود عليه نفع الشرق، ثم ليعود وينفي تصريحات الفروع ليحقق مكاسب أخرى من الغرب،
حيث يدرك الغرب أهمية جنوب أفريقيا ومكانتها الاستراتيجية كبوابة للقارة
الإفريقية، وأنه لا غنى عنها.
أما اليوم، فنرى بعض المتغيرات على ساحة جنوب إفريقيا الخارجية، فقد بات
واضحاً موقف هذه البلاد والأشبه بتوحد الحزب الحاكم مع فروعه بعد انضمام جنوب
أفريقيا لتحالف (بريكس)
ذو المأسسة الروسية الشرقية.
وما يدلنا على هذا التوحد هو هدوء نسبي يسود فروع الحزب الحاكم والتوقف عن
التصريحات المُزعجة والمطالبة بتطبيق تجارب الشيوعية الكوبية والروسية، وفي الوقت
ذاته أخذ الحزب الحاكم هو من يدلي بتصريحات مؤيدة للسياسة الخارجية الروسية وتحالف
بريكس.
ونرى اتحاد العمال في جنوب أفريقيا يذهب الى تصريحات من نوع جديد، حيث
ينتقل هذا الاتحاد الى البحث في أروقة ما يحدث خارج جنوب أفريقيا عبر تصريحاته
الداعمة للفلسطينين، وتوجيه الاتهام الأخير والواضح للمعارضة بدعم متبادل بين
اسرائيل وحزب المعارضة الجنوب إفريقي ضد الفلسطينين.
وقد تعود هذه الاتهامات أو السياسة الجديدة الى امرين هما:
أولاً: تخبط داخل أروقة الحزب الحاكم، وعدم سيطرة الحزب على الفروع
ورجالاته. وأن هذه التصريحات غير مسؤولة، وقد تورط حكومة جنوب افريقيا في سياستها
الخارجية.
وعادة يحدث هذا في الأنظمة ذات التوجه الإشتراكي، وقد حدث فعلاً في الاتحاد
السوفييتي وانفصال الجيش عن السلطة السياسية، ويحدث الآن في ايران وظهور ملامح عدم
ترابط بين الحرس الثوري والادارة السياسية.
ثانياً: أن الفعاليات الفلسطينية في جنوب إفريقيا أخذت تؤثر بما ترغب على
القرار الجنوب أفريقي، وحشد الحزب الحاكم تجاه نصرة القضية الفلسطينية.
لا يمكن قبول هذا الإحتمال، ولا يمكن وصف موقف حكومة جنوب إفريقيا بالبطولي
تجاه ما يحدث في فلسطين، وخاصة بعد موقفهم السلبي في ليبيا، وقد يرى البعض أن يد
جنوب إفريقيا تلطخت بدماء الليبين بالمشاركة العملية في حماية الراحل القذافي، وما
يحدث اليوم في سوريا ودعم جنوب إفريقيا غير المُبرر للدور الإيراني في الشرق الأوسط
العربي.
ثالثاً: أن التصريحات صدرت بعد توافق واضح بين الحزب الحاكم وفرعه في اتحاد
العُمال. وأن تحالف بريكس قد يبدأ بجعل جنوب أفريقيا ورقة ضغط على البيت الأبيض
الأمريكي من جهة الأفارقة.
والسؤال هنا، هل قبضت جنوب إفريقيا من بريكس الروسية ثمن مثل هذا التصريح
لنقد سلبي لإسرائيل ذات العلاقات القوية جداً مع جنوب أفريقيا؟، وكيف ستواجه حكومة
جنوب إفريقيا ذات أكبر اقتصاد إفريقي يهود جنوب إفريقيا أصحاب هذا الاقتصاد؟.
نميل الى الاجابة بــ"نعم"، والتي نتوصل اليها من تصريح حكومة
جنوب إفريقيا نهاية الشهر الماضي عن عزمها على إعادة تقييم علاقاتها مع بريطانيا
بعد أن أعلنت الثانية إنهاء مساعدات التنمية الرسمية لجنوب إفريقيا.
والشاهد هنا، أن جنوب إفريقيا تبني سياساتها الخارجية على عدة محاور،
ويعتبر محور المساعدات المالية والمساهمات التنموية هام جداً في تقييم علاقاتها مع
الدول الخارجية، حتى لو كانت بريطانيا وأمريكا.
لذلك نعود الى موقف جنوب إفريقيا تجاه القضية الفلسطينية، فقد كان سابقاً
يدعو الى حل الدولتين، واليوم يشتد حدته حسب التصريحات الأخيرة واتهام حزب
المعارضة بعلاقات غير مشروعة مع إسرائيل.
إن ما يحدث هو جديد، وقد يكون تدخلاً بالسياسات الخارجية، ودور كلا من
الحزبين في هذا الشأن نراه على النحو التالي:
-
الشعب
الجنوب إفريقي غير مهيأ لاختلاف الاحزاب المحلية على القضايا الخارجية، وذلك لعدم
إلمامه بغير القضايا الإفريقية على الأغلب. وقد يرجع الى عدم اهتمام الشعب بما
يحدث في الشرق الأوسط العربي وخاصة فلسطين.
-
عدم
تأهل البرلمانيين في جنوب إفريقيا للتحدث بشؤون القضايا الخارجية، وقد يرجع هذا
الى حكر السياسية الخارجية على الرئيس فقط.
-
الورقة
الاسرائيلية حساسة جداً بالنسبة لحزب المعارضة ذات الأغلبية اليهودية، وقد ترد
المعارضة بقوة، ويكون الخاسر فيها مسلمو جنوب إفريقيا والذي يميل غالبيتهم الى
النظام الإيراني ودوره في دعم حركات المقاومة.
-
إن
دخول حركة حماس على الساحة الجنوب إفريقية قد يزيد من حدة التوتر، ما بين مؤيد
لدعمها كحركة نضال وما بين من يرفض دعمها كحركة إرهاب.
لذلك فان استخدام الورقة الفسطينية كورقة مرابحة لكسب الأصوات المحلية
والخارجية للحزب الحاكم، قد يؤدي الى تنافر بين أفراد الحزب نفسه والدخول في قضية
معقدة، وأن على جنوب
إفريقيا ان تدرك أنها ورقة محروقة حيث خسرت الكثير من الدول بعد المتاجرة
بها.
وخلاصة القول: ماذا فعلت جنوب إفريقيا تجاه المناضلين الفلسطينيين، وهل
منحتهم حق اللجوء الإنساني والسياسي أسوة بالمناضلين الأفارقة؟، وماذا فعلت جنوب
إفريقيا تجاه الشعب السوري الذي يطالب بحريته؟، لقد وقفت مع الأنظمة التي تساهم في
سفك دماء السوريين.
تعليقات
إرسال تعليق