فوز بوتفليقة.. مصالح دولية بقيادة العسكر

أعيد إنتخاب الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة رئيساً للجزائر على الرغم من مُخالفته لقانون الترشح بعدم تمتعه بكامل قواه العقلية والبدنية، والإتهامات موجهة نحو العسكر الجزائري الذي تسلط على مقاليد الحكم، وأن تنصيب بوتفليقة هو مخالف للدستور الجزائري والأعراف الدولية صراحةً.
ولكن، هل يُعقل أن العسكر الجزائري أخذ نفوذه يمتد إلى العالم الخارجي، فالإتحاد الإفريقي تجاوز كافة المعايير الإفريقية وأعلن مُباركته للرئيس الجديد، في ظل تجاوز الأوربيين وتملص الألمان والمنظمات الدولية مما يحدث هناك؟!.

منذ أن توافقت فرنسا وأمريكا على إعادة صياغة إفريقيا ضمن العلاقات المشتركة بينهما، والتي تصب في الوسط الإفريقي من شرقه إلى غربه، سرعان ما اتهمت روسيا أطرافاً أجنبية بزعزعة أمن حليفها الجزائري. فكانت الصورة واضحة أمام الروس أن الأمريكان وحلفاءهم الفرنسيين يعملون على فصل قطبي القارة الإفريقية والأكثر تحالفاً مع الروس، وهما الجزائر وجنوب إفريقيا.

قد يكون من باب الأولى أن تشتد لهجة الروس من أجل دعم حليفها جاكوب زوما في الإنتخابات الرئاسية لجنوب إفريقيا خلال الأسابيع القادمة، حيث أن جنوب إفريقيا مؤسس وبارز في تحالف بريكس، وليست الجزائر في مرتبة جنوب إفريقيا على المستوى الإفريقي والعالمي. ولكن هناك ثمة جوانب تتضح فيها المعايير الروسية تجاه كل من الجزائر وجنوب إفريقيا.

أولاً: تخضع جنوب إفريقيا لنظام ديموقراطي وفق المعايير الدولية في النظام الرئاسي وتعهداته الدولية، ومن يتولى مبنى الرئاسة في بريتوريا مُلزم بخارطة طريق جنوب إفريقيا الخارجية، فكانت العلاقات مع روسيا ضمن الإطار الرئاسي فقط دون أي إمتداد لها نحو الداخل الجنوب إفريقي كالجيش ومؤسسات الدولة.
أما في الجزائر، أخذت الإدارة الروسية تستحوذ على مؤسسات الدولة الجزائرية، بل أصبح الروس على تواصل مع الجيش الجزائري بشكل يفوق كل الأحزاب السياسية وإدارة الحكم.
ثانياً: جنوب افريقيا استحوذت سيطرتها على كافة دول إفريقيا الجنوبية، مما جعل حضور حلفاء بريكس في الجنوب الإفريقي أكثر منه في الشمال الإفريقي، حيث عجزت الجزائر عن نشر فكر بريكس بسبب تحالف الشمال الإفريقي مع جامعة الدول العربية. 
  
والشاهد في الجانب الأول والثاني، أن العلاقات الروسية مع جنوب إفريقيا ودول الجنوب الإفريقي خرجت ضمن الإطار القانوني في ظل إستقرار سياسي وإقتصادي لدول المنطقة، وتغير النظام السياسي لن يؤثر على تلك العلاقات التي بناها أفارقة الجنوب وفق مصالح مُقننة. ويبقى الوجود الروسي في شمال القارة مرهوناً بالجزائر فقط.

والجانب الثالث يبحث في أهمية الجزائر  بالنسبة لروسيا؛ فالجزائر ثالث مُصدر للطاقة للإتحاد الأوروبي بعد روسيا وقطر، فيكون التحالف الروسي الجزائري هو حافظة للعبة الروس مع الأوروبيين في إحكام السيطرة الروسية على منابع الطاقة المُحيطة بالدول الأوروبية. والجيش الجزائري هو من يقود لعبة التوازن بين المصالح الروسية وإحتياجات القارة الأوروبية للطاقة.
رابعاً: التدخل الروسي الواضح في دعم الحزب الحاكم الجزائري، يشير إلى عدم قدرة جنوب إفريقيا والإتحاد الإفريقي على توفير غطاء إفريقي لتجاوزات الإنتخابات الرئاسية الجزائرية، ويبدو أن قدرات جنوب إفريقيا ما زالت منحصرة في الجنوب الإفريقي، وأن إمتدادها للشمال الإفريقي ما زال بحاجة إلى عوامل دولية مؤثرة.

وخلاصة القول: أن السبب الحقيقي وراء تجاوز الأوروبيين وتملص الألمان والمنظمات الدولية وعدم إكتراثهم مما يحصل في الجزائر هو ليس الا تنازلات أوروبية للنظام الجزائري وإرضاء النظام الروسي خشية أن تنقلب الديموقراطية الأوروبية على رأس مواردهم من الطاقة الطبيعية.

كما أن الغطاء الروسي وإنحصار الأنظمة الأوروبية عما يحدث في الجزائر هو غطاء واضح لتمكين الإتحاد الإفريقي من مباركة إنتهاكات النظام الجزائري للديموقراطية. وهذا يدعونا للتأمل بالمُقاربة مع ما حدث في مصر بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي، فقد تكون العوامل الخارجية التي مكنت جنوب إفريقيا والإتحاد الإفريقي من قبول الرئيس بوتفليقة هي العوامل ذاتها التي مكنت الأفارقة من تجميد عضوية مصر في الإتحاد الإفريقي.

فما يحدث في مصر مكيالٌ، وما يحدث في الجزائر مكيالٌ آخر حسب سياسيات الإتحاد الإفريقي وجنوب إفريقيا، وكل الشواهد تُشير إلى أن فوز الرئيس بوتفليقة لم ينم عن برامج تنموية موجهة للشعب الجزائري، وإنما عن انغماس الجزائر في حلقة يدور فيها البعض ضمن لعبة المصالح الدولية بقيادة العسكر.






تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جراجمة القدس

الفسيفساء الفلسطينية

الشؤم الفلسطيني