عبادتا الصوم والفطر.. قاصمة بين المسلمين العرب وغير العرب


في مطلع كل ثلاثة شهور من كل ذي عام هجري، يخوض بعض الفلكيين والفقهاء جدلاً يجمع بينهم حول مسألة رؤية هلال صوم رمضان، وهلال فطر شوال، وهلال عرفة في ذي الحجة، نقاش لا ينتهي وجدل يستمر، حول مسألة توحد الدول العربية والإسلامية على مواقيت عبادة الصوم وعبادة العيدين.
والأصل في هذه المسألة هو الوضوح التام، فقد أوجب الشرع الإسلامي توحد جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها على وقت واحد لأداء هذه العبادة في الصوم والفطر، وذلك وفقاً لرؤية شخص واحد أو إثنين للهلال، شريطة أن يتمتع الرائي بثقة القوم المُقيم فيهم.
فالأجرام السماوية هي ليست إلا أدوات لتحديد مواقيت العبادات، وليست جزءاً من العبادة، كما أن القمر هو وسيلة المسلم لتحديد موعد عبادته، وليس غايته في العبادة أو يتقرب برؤيته إلى الله.
علماً بأنه لم تَأخذ هذه المسألة الإطار السياسي في العصور السابقة، ويرجع ذلك الى لم شمل المسلمين تحت قيادة واحدة، بالإضافة إلى تساهل القيادة السياسية آنذاك مع أي جماعة لم تتكمن من معرفة الإعلان العام بسبب صعوبة التواصل والإتصال بمراكز القيادة في ذلك الوقت.
ومع ذلك؛ لا يُمكن أن تبقى هذه المسألة محصورة في إطار الفقه الإسلامي فقط، بل لابد من معالجتها ضمن الإطار السياسي العربي، وخاصة بعد أن أخذ هذا الإختلاف شكلاً سياسياً، وما نراه اليوم من توجه المسلمين من غير العرب نحو تقنين هذا الخلاف الرقمي بتقويم هجري جديد غير التقويم العربي.
فوضع هذه المسألة على الخارطة السياسية سوف يُعطينا مؤشرات وعلاقة بين إختلاف مطالع القمر وإختلاف التيارات الإعتقادية، واللغوية كذلك. حيث لا يُعقل أن يكون للعرب هلال يجمعهم على مواقيت واحدة، وهلال آخر يتوحد عليه المسلمون من غير العرب في جميع أنحاء العالم. فهذا هو حال المسلمين في تركيا وإيران والهند وباكستان وبنجلاديش وأندونيسيا وماليزيا، وجالياتهم المُهاجرة إلى أوربا وأمريكا وإفريقيا.
وعلى الرغم من إستفاهمية هذه المنظومة الجديدة، إلا أنها غير مؤثرة حالياً على الوسط الإسلامي في الداخل، فلكل منطقة دولة وحكومة تنظم أمور شعب ينتمي إليها، ولكن نجد التأثير الواضح والحقيقي لهذه المنظومة أخذ يشتد سلباً في بلاد المهجر كأوربا وأمريكا وإفريقيا، حيث يلتقي العرب مع غير العرب من المسلمين في مساجد واحدة، وهنا تبدأ المشكلة في آلية تحديد مواقيت هذه العبادات.
فالعرب في بلاد المهجر يفهمون بأن الرؤية واحدة، وأن التواصل مع الوطن العربي قومياً وفكرياً هو روح عبادة الصوم والفطر، بينما يفهمها غير العرب بطريقة ما زالت غير واضحة، وخاصة عندما يؤدون هذه العبادات على موعد واحد في جميع أنحاء العالم، وعادة ما يكون هذا الموعد مخالف للمنطقة العربية بيوم واحد على الأقل.
وعلى الرغم من تساهل الشرع الإسلامي وعلماء الإسلام مع فرضية إختلاف مطالع القمر، لكن باتت العلاقة واضحة بأن ما يحدث اليوم على الساحة الإسلامية هو إنقسام واضح في مواقيت العبادات الإسلامية الكبيرة، وأن هذا الإنقسام أخذ يظهر على شكل وصورة تحمل الفروق في العبادات حسب اللسان واللغة، وإن كان الأصل هو إختلاف عقائدي وفكري.
وقد تناول غير العرب الفتوى الإسلامية الصادرة بخصوص مسألة إتباع الجماعة وولي أمر الجماعة، وجواز تطبيقها على المهاجرين من العرب وغير العرب إلى بلاد المهجر كأوربا وأمريكا وإفريقيا، ومما لا شك فيه أن هذه الفتوى صحيحة المصدر والتطبيق، ولكن وفق المعايير الموجودة في الدول العربية والإسلامية فقط.
وما يجب إعادة صياغته في نظرية وجوب الجماعة في بلاد غير المسلمين، هو أن الديانة المسيحية هي الأصل في أوربا وأمريكا وإفريقيا، وولي الأمر هو غير مسلم، وليس له علاقة بعبادات المسلمين وأعيادهم. كما أن المسلمين من العرب وغيرهم ليسوا إلا جاليات مُقيمة في تلك البلدان، وليس لهم من الإرادة السياسية أو القضائية شيء يُذكر في بلاد المهجر.
كما أن الخلاف الحاصل بين العرب وغير العرب من المسلمين في بلاد المهجر غير مُنحصر في مسألة الصوم والفطر فقط، بل في بعض من المسائل الإعتقادية والفقهية. وجميع الخلافات بينهم هي إمتداد للخلافات الحاصلة في منطقي الشرق الأوسط والعالم الإسلامي.
وهنا لابد من توجيه رسالة خاصة إلى علماء الأمة الإسلامية، وهي عدم فصل فتاوى العبادات الإسلامية الجماعية عن الجانب السياسي، بل يجب أن تخرج ضمن منظومة الأمن القومي الإسلامي بشكل عام، ولا بأس لو خرجت ضمن منظومة الأمن القومي العربي بشكل خاص، في حال تضارب مصالح العرب مع الآخرين، أو في حال تمسك غير العرب بطقوس خاصة للعبادات الإسلامية الجماعية، كتغيير مواقيتها بما يخالف مواقيت العرب.
وما يجب أن تنتبه إليه قيادات منظمة المؤتمر الإسلامي، من خطورة جدولة المسلمين غير العرب لتاريخ هجري جديد، فالعبرة بعد عشرات السنين، عندما تنهض أجيال جديدة على تقويم هجري يخص العرب، وآخر يخص غير العرب. وما هو الغريب في ذلك؛ أن يكون علماء الأمة هم الأداة المُستخدمة للوصول إلى هذه المرحلة القاصمة بين المسلمين العرب وغير العرب.
فإن ما يحدث اليوم على هذه الساحة السنوية ليس له علاقة بإختلاف مطالع القمر بقدر ما هو إختلاف سياسات الدول في الشرق الأوسط، فمن باب الأولى لمنظمة المؤتمر الإسلامي أن تجتهد في لم شمل المسلمين على العبادات الجماعية كالصوم والفطر، وحسب تقويمها الهجري، وإستقطاب المهاجرين العرب في الخارج لإتباع التقويم الهجري العربي، فتوحد جميع العرب وخاصة المهاجرين منهم في العبادات الجماعية هو الروح الحقيقية لجميع الاديان، التىي تدعو الى الوحدة في العيد، فان لم يتوحد اتباع الديانة الواحدة في يوم الفرح فكيف سيتوحدون في أيام الفتن والمصائب.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جراجمة القدس

الفسيفساء الفلسطينية

الشؤم الفلسطيني