قمة جوهانسبرغ .. المرأة تفوق أولوياتها الحرب على الإرهاب في إفريقيا


لا شك أن حديث الأفارقة عن المرأة الإفريقية أثناء إنعقاد الدورة العادية (25/2015) في جوهانسبرغ هو جزء من الديناميكية الحقوقية العالمية، ولكن بالنظر  إلى الإطار الإفريقي بتكاملية لقراءة عنوان القمة (عام تمكين المرأة والنهوض بها نحو أجندة إفريقيا 2063) نجد فيه مُبالغة، وربما إنحراف عن المسار الذي يجب البحث فيه وعنونه القمة به، كالأمن والسلام في إفريقيا.
وما هو مثير للجدل؛ أن المرأة الإفريقية أصبحت جزءاً من دائرة الأمن والسلم الإفريقي، بل أن الأجندة النسوية سبقت أجندة مكافحة الإرهاب على طاولة جوهانسبرغ!،
والسؤال هنا لماذا المرأة الإفريقية صعدت أهميتها سُلم أولويات الأمن والسلم الإفريقي؟، وهل الأمر يعود لمعتقدات ثقافية إفريقية أم مجرد ترتيب جديد لأوراق سياسية على الطاولة الإفريقية؟!.

                                                                                                                               ***

ما كان مدهشاً في قمة جوهانسبرغ هو أنها خرجت بمجموعة من التوصيات وبما يتجاوز (70) ورقة، والتي تميزت بالشمولية والكمالية، وقد تناولت الفروع بتفاصيلها الدقيقة، فكانت توصيات أشبه بدستور لمجموعة من الولايات الإفريقية في ظل نظام الدولة الواحدة.

وقد يرى البعض بأن هذه التوصيات لن تتجاوز الحبر على الورق، وكثير منها غير قابل للتطبيق على أرض الواقع الإفريقي، لكن توافق الأفارقة على مجموعة كبيرة من الرؤى المُستقبلية، والعمل على إعادة صياغتها في كل عام هو مؤشر إيجابي على وجود تفاعلية مشتركة بين الأفارقة، وعلى المدى البعيد سوف يتحقق بعض منها، وإن اقتصرت على الجانب التنموي فقط.

كما أن قمة جوهانسبرغ تميزت بخصوصية الموقع الجغرافي، فإنعقادها بجنوب إفريقيا ذات الثقل السياسي والإقتصادي على مستوى القارة الإفريقية كان له تأثير واضح على توجيه بعض التوصيات، أو العمل على ترتيب أولويات ملفات القمة وفقاً لمصالح دول جنوب إفريقيا ومجموعة بريكس.

وما كانت عليه جنوب إفريقيا وقبل أحداث (الربيع العربي)، هو حملها لراية مانديلا لتمكين نموذجه في إفريقيا، وقد كان صوت جنوب إفريقيا يعلو في القمم الإفريقية من أجل ترسيخها إفريقياً وشرق أوسطياً كالعراق وفلسطين.

وعلى الرغم من أن القارة الإفريقية كانت تشهد مجموعة من التوترات، لكنها لم تكن مُريبة لحكومة جنوب إفريقيا، ويرجع ذلك إلى أنها نزاعات واضحة المعالم الحدودية وذات مطالب قبلية، وثم أن جنوب إفريقيا أخذت تتقدم بشكل ملحوظ من تشكيل مركزية لــ(القوات الإفريقية المشتركة) للفصل في تلك النزاعات إفريقياً ودون تدخل المجتمع الدولي.

وما إن هبّت شرارة الربيع العربي في شمال إفريقيا على شكل مجموعة من المُتغيرات السريعة، حتى تلقتها جنوب إفريقيا كضربات موجعة لها ولمستقبل مجموعة بريكس في القارة الإفريقية، وهي على النحو والترتيب التالي:

أولاً: سقوط الرئيس القذافي، وهو الحليف الأول لجنوب إفريقيا، وصمام أمان لمجموعة كبيرة من الأهداف المُشتركة، ومن أهمها بناء إستراتيجية جديدة للإتحاد الإفريقي ليكون قادراً على التمويل الذاتي لــ(قوات التحالف المشتركة).

ثانياً: التوجه المُفاجئ للأمريكان نحو القارة الإفريقية من خلال الوسط الإفريقي شرقاً (إثيوبيا) وغرباً (نيجيريا)، وسرعان ما استطاع الأمريكان تغيير لون الحروب في إفريقيا، ورسمها بلون الإرهاب الدولي والتطرف الديني بدلاً من لون الأفارقة التقليدي القائم على الحدود والقبلية. وحيث أن الأفارقة غير قادرين على خوض لعبة الحرب على الإرهاب، فقد تختلط عليهم مفاهيم الإرهاب بالديكتاتورية والقبلية.

ثالثاً: دعوة الولايات المتحدة الأمريكية لتشكيل وتدريب (قوات التدخل السريع)، حيث لكل دولة قوات خاصة مُدربة أمريكياً على فض النزاعات الخاصة بالدولة نفسها دون التدخل في شؤون الآخرين، أو الحاجة لإنتظار تدخل (قوات التحالف المشتركة).

رابعاً: إنتقال التوتر من الوسط الإفريقي ليشمل شمال إفريقيا، واختلاط الأوراق العربية بالافريقية بشكل غير مُتوقع، فحرب اليمن استدرجت الجيش السنغالي للحرب خارج القارة الإفريقية، وجيبوتي فتحت أراضيها لقوات عاصفة الحزم العربية.

وعلى الرغم مما ذُكر أعلاه؛ فجنوب إفريقيا ما زالت تمتلك الكثير على أرض القارة الإفريقية، وهي ليست وحدها على الساحة، فهناك الروس والصينيون، ودول إفريقية ما زالت تؤمن بريادة العاصمة بريتوريا. ويُمكن ترتيب ما أسميه برد جنوب إفريقيا على جميع ما ذُكر، وهي كالتالي:

أولاً: التحالف مع السودان العربي كبديل عن ليبيا، وعلى الرغم أن أفضلية القذافي كانت تتفوق بالتمويل، لكن أفضلية السودان تفوق من حيث موقعها الجغرافي الحساس، وخاصة بين مصر وتشاد وجنوب السودان، غير شراكتها بمياه النيل. كما أن التحالف السوداني مع جنوب إفريقيا له منظور عميق لمجموعة بريكس في منطقة حوض النيل والقرن الإفريقي.

ثانياً: دعوة القطاع الخاص في إفريقيا للمُشاركة في تمويل نشاطات الإتحاد الإفريقي، وهو نوع جديد وغير معهود حين يُصبح الإقتصاد جزءاً من عملية القرار السياسي للأفارقة بشكل واضح وعلني.

ثالثاً: إنضمام جنوب إفريقيا لبنك التنمية الجديد التابع لمجموعة بريكس، ليبدأ بتحصين إقتصادها المحلي ثم التوجه نحو التمويل في الداخل الإفريقي.

رابعاً: أن قبول الأفارقة الحرب على الإرهاب سوف يبدأ برفض قوانين الجنائية الدولية وتحكيمها، ودخول البشير لجنوب إفريقيا وخروجه منها دون القبض عليه، هي رسالة واضحة بأن الأفارقة متوافقون مع مجموعة بريكس حول ضرورة إعادة النظر في مفاهيم المجتمع الدولي وقراراته غير المُحايدة.  وتُعتبر جنوب إفريقيا من أكثر الدول الإفريقية تصدياً لمُكافحة الإرهاب حسب النمط الأمريكي، وتسعى جنوب إفريقيا إلى ربط الإرهاب بالجريمة المُنظمة لكبح عشوائية الحروب التي يشنها البعض بإسم الإرهاب.

وتُشير تلك المؤشرات إلى أن صراع الأفارقة طويل مع مفاهيم السيادة الإقليمية والرؤى الخارجية لها؛ فالحرب على الإرهاب وتشكيل القوات الإفريقية المشتركة، ثم دعوة جنوب إفريقيا المؤسسات الإقتصادية الإفريقية للمشاركة في نشاطات تمويل الإتحاد الإفريقي تؤكد ذلك.

وإضافة إلى ذلك؛ أن تصميم جنوب إفريقيا على دمج الإقتصاد الإفريقي الخاص بالمُنحنى السياسي الإفريقي الرسمي هو دلالة ثقة حكومة بريتوريا بقوة مؤسساتها الإقتصادية المُنتشرة في إفريقيا، وبالتعاون مع التمويل الصيني المُشبع بالأفكار الروسية سوف يكون بمثابة حصن قوي وجدار منيع لمواجهة التمويل الأمريكي، وخاصة في الوسط الإفريقي.

وحول تقديم المرأة على مُكافحة الإرهاب في إفريقيا على سّلم وأولويات هرم مجلس الأمن والسلم الإفريقي فقد اتضح لي من حديث الأفارقة في قمة جوهانسبرغ وشكلياته، حيث توسع الأفارقة في الحديث عن المرأة الإفريقية، بينما أخذتهم العمومية في الحديث عن الإرهاب.

وربما كانت الحاجة للبدء بالمرأة الإفريقية هو الأفضل لجميع الأوساط السياسية في إفريقيا، وكذلك روسيا وأمريكا وأوروبا، فكان عدم توافق الأفارقة على مفهوم الإرهاب وكيفية القضاء عليه هو ما دفعهم للتوجه نحو المرأة، والأمر ليس بالسهل، ولن يقتصر على تأهيلها للعمل في سوق المؤسسات الإقتصادية الضخمة، بل سوف يشمل تهيئتها الثقافية والفكرية وخاصة في الوسط الإفريقي. فهناك الكثير من نساء الوسط الإفريقي أخذن ينظرن بجدية بأن المرأة في جنوب إفريقيا أصبحت النموذج الأفضل لهن، وليس المرأة الأوروبية كما كان في السابق.

وبذلك يُمكن القول؛ بأن إفريقيا مقبلة على حرب جديدة من نوعها، وهي (برامج التأهيل) والذي ينحصر بين أمرين، فالأول (التأهيل العسكري)، وهو محل خلاف بين الأفارقة، فمجموعة بريكس ترغب بتأهيل جيش أفريقي موحد، بينما تبحث أمريكا وأوروبا تأهيل قوات خاصة لبعض الدول الإفريقية، والثاني هو (التأهيل التنموي)، وهو محل توافق بين غالبية الأفارقة، حيث يستعد الجميع لإستقبال المؤسسات الإقتصادية من الشرق والغرب، وكل حسب تعلقاته السياسية الخارجية.

وما يبدو لي في فكرة (برامج التأهيل) هو التفسير الأقرب لمحاكاة منطق التفكير الإفريقي، حيث استطاعت حكومة جنوب إفريقيا جمع الأفارقة فيما يتوافقون عليه، وهو (التأهيل التنموي) وتقديمه على (التأهيل العسكري) لأنه محل نزاع بينهم، لذلك حازت المرأة الإفريقية على عنونة قمة جوهانسبرغ بإسمها، وذلك لتأمين أدنى مُتطلبات نجاح قمة الأفارقة وخروجهم من جوهانسبرغ على توافق لا بأس به.

إذاً جنوب إفريقيا لم تعلق مشروعها ما قبل الربيع العربي، بل هي ماضية في دعوتها لتطبيق نموذج مانديلا على مستوى القارة الإفريقية، ويظهر ذلك من حراكها المُتجدد مع الأفارقة، ولكن هناك ثمة مُتغيرات على الساحة الإفريقية والتي جاءت على وتيرة مُتسارعة استدعت الحاجة لترتيب جديد لبعض الأوراق السياسية على غير مسار دعوتها لتمكين نموذج مانديلا في إفريقيا والشرق الأوسط.

وخلاصة القول؛ أن الساحة الإفريقية سوف تشهد حراكاً قوياً على الميدان النسوي، وهو لا يقل أهمية عن بقية الميادين الإفريقية ومنها الحرب على الإرهاب، فالمرأة هي العنصر العامل والفاعل في الإقتصاد الإفريقي، وهي عنصر مؤثر على القرارات السياسية في إفريقيا وخاصة في دول جنوب افريقيا.

كما يُمكن القول أن تأهيل المرأة الإفريقية دون الرجل هو ما ورثه الأفارقة من تاريخهم، فرجالهم في ساحات القتال بينما تبقى نساؤهم في ميادين العمل والإنتاج، وسوف تبقى المرأة على حالها كما كان في تاريخها، ولكن بمشهد جديد يحمل صورة تنموية، فهي سلاح الحرب الاقتصادية التي سوف تخوضها القارة الإفريقية قريباً، مع بقاء رجالهم في ساحات القتال.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جراجمة القدس

الفسيفساء الفلسطينية

الشؤم الفلسطيني