ذكرى تحرير الكويت... الأزمة بين الإحتلال والفكر

قبل (25) عاماً... هبت الصحراء العربية برياحها العاصفة نحو دولة الكويت لتحريرها من الاحتلال العراقي بعد مغامرة سياسية غير محسوبة، وأشبه ما تكون بمقامرة عسكرية فاشلة إبّان حكم الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين.

وما هو جدير أن نتحدث عنه بعد مرور ربع قرن على تحرير الكويت هو دور المُثقف العربي وإسهامه الفكري خلال فترة عقدين ونصف بعد التحرير،  بمعنى هل تحرير الكويت أصبح مدونة على صفحات التاريخ أم حقيقة تتجدد بفعل الوجود الكويتي وواقعه على الأرض؟!.

..............................

الجميع منا يُدرك أن الإحتلال العراقي للكويت انطلق من أجندة فكرية لها أصولها المُمنهجة لسياسات حزب البعث العراقي في منطقة الخليج العربي، ومع ذلك لم يكن من المنطق أن يقف الكويتيون أمام مجلس الأمن الدولي حاملين معهم المئات من الأوراق وعشرات المؤلفات حول حقيقة الأصول الفكرية لنظام حزب البعث العراقي وتداعياته على المنطقة العربية ككل.

حيث اتخذت الحكومة الكويتية كافة التدابير اللازمة أمام كافة المنظمات الدولية من أجل تحرير دولة الكويت من الإحتلال العراقي، وما كان يتناسب مع الواقع الكويتي حينذاك هو إعتماد "إستراتيجية التحرير" القائمة على هدف واحد لا غير، وهو حق الشعب الكويتي في تقرير مصيره من خلال دولتهم القانونية القائمة وفق منظومة المجتمع الدولي دون الخوض في تفاصيل أخرى.

إذاً نحن أمام محورين، ولكل منهما خطاب يتناسب مع المجتمع المحيط فيه، فالمحور الأول هو (أزمة الإحتلال) والقانون الدولي هو خطابه الرسمي الذي التزمت به دولة الكويت كمسار لها أمام كافة الهيئات الدولية التابعة للمجتمع الدولي، ويُمكن وصفه بخطاب التحرير وضمان الحصانة القانونية لدولة الكويت إقليمياً وعالمياً على المدى البعيد، أما المحور الثاني يدور حول (أزمة الفكر) وهو الخطاب الفكري والمُوجه للشعوب العربية، والذي يتحدث عن القضية كأزمة فكرية من خلال تقليب محتويات حزب البعث الإشتراكي ومنهجيته تجاه الثقافة العربية والإسلامية.

وبالعودة إلى سؤال المقال والذي يدعو إلى تقييم دور المُثقف العربي بعد مرور عقدين ونصف من تحرير دولة الكويت من الإحتلال العراقي في خطابه حول المحور الثاني، وهل استطاع فعلاً الباحث العربي كشف الحقائق الفكرية التي تبناها حزب البعث العراقي وآثارها على المنطقة العربية ما قبل إحتلال الكويت، وكيف أصبحت بعد عملية التحرير؟!.

ندرك تماماً أن البحث في الأزمة الفكرية أمر ليس سهلاً، وقد يحتاج إلى سنوات عمل مع مُتخصصي الدراسات والأبحاث، ولكن النتائج سوف تكون إيجابية لاشك عندما نعرض القضية بحيادية حيث سنكشف الحقائق وننشرها عبر مقالات وتحليلات تتناسب مع طبقات الجمهور العربي.

ووفق تقديري الخاص حول أهم الإيجابيات المستوحاة من تأصيل الأزمة فكرياً أن منظومة البعث الإشتراكي ليست من ثقافة العرب والمسلمين، ولا تتوافق مع مكونات الشعب العراقي الفكرية والمذهبية أو حتى العرقية، بل هي مستوردة من مخلفات الفكر الشيوعي.

كما أن البعث الإشتراكي عمل على تدمير البنية الفكرية التى ينتسب إليها الشعبان العراقي والسوري منذ مئات السنين، من خلال تهميشه للدور الديني والأسري والقبلي، وما هو المثير حقاً أن مفاهيم البعث الإشتراكي ومضمونه المشترك بين العراق وسوريا فشل في تحقيق مصالحة بين النظامين، فالعداء بين السوريين والعراقيين لم يتوقف على الرغم من إنتساب كليهما لفكرة البعث الإشتراكي.

وبذلك يُمكن القول أن الوصول لمثل هذا النوع من النتائج سوف يعطي رسالة واضحة للشعوب العربية، وخاصة الشعب العراقي والسوري أن معركة تحرير الكويت هي بداية هامة وكان لابد منها كخطوة لتحرير كل من العراق وسوريا من ظلمات البعث الذي فرضه الشيوعي (ميشيل عفلق) على ملايين من العرب في العراق وسوريا.

وأن ما يحدث في العراق اليوم هو النتيجة الطبيعية والمتوقعة لحكم البعث الإشتراكي، فسوريا لم تحتل الكويت بل شاركت في معركة التحرير، ومع ذلك ما يحدث في سوريا هو أشد وأبشع مما يحدث في العراق، فالقضية ليست بين الكويت والعراق بقدر ما هي بين الأمة العربية والإسلامية مع حزب البعث الإشتراكي الذي أخذ يفرض نفسه على المنطقة العربية.

وخلاصة القول؛ أن ما يجب على الباحثين والمُثقفين عمله في ذكرى تحرير الكويت السنوية هو العمل على توسيع دائرة أسباب الإحتلال العراقي على الجانب الفكري فقط، من أجل أن تتجدد أسباب التحرير وأهدافه في كل عام تلقائياً من خلال المقارنة بين السياسة الخارجية الكويتية مع سياسات العراق وسوريا، وما قدمه كل منهم للإقليم العربي والإنسانية جمعاء، فمن أجل الوصول إلى العقول العربية يجب تأصيل الأفكار بالمقارنة وفق المعتقدات العربية وليس بالقوانين، وهو الطريق الأمثل لتحقيق المصالحة بين الشعوب العربية.

وحتى نستطيع القول أن معركة تحرير الكويت ليست قصة مُدونة على صفحات التاريخ العربي لفئة الباحثين والمؤرخين، بل هي حقيقة متجددة بفعل الوجود الكويتي الذي هو جزء من الواقع العربي، فتحرير الكويت كان نقطة البداية لتحرر المنطقة العربية من المد الشيوعي اليساري الذي سعى للقضاء على الأسس الفكرية العربية والإسلامية، ولماذا لا نقول أن خروج البعث العراقي من الكويت هو الطريق الصحيح لخروج البعث السوري من لبنان، ونقول أيضاً أنه لولا عاصفة الصحراء التي حصّنت الجزيرة العربية من ويلاتهم البعثية لما استطعنا أن نقول اليوم في اليمن عاصفة حزم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جراجمة القدس

الفسيفساء الفلسطينية

الشؤم الفلسطيني