الإعلان البرلماني بين العرب والأفارقة... توصيات دون حد التوافق في المفاهيم!

يُمكن القول بأن الخطاب العربي أثناء الجلسة المشتركة التي جمعت لأول مرة البرلمانيين العرب مع نظرائهم الأفارقة أشبه ما يكون بخطاب الأمل والرجاء، فبرلماني مصري يُطالب بطرد جميع القواعد الأمريكية من إفريقيا، وآخر يدعو الأفارقة للإستفادة من الخبرات المصرية في مكافحة الإرهاب، وما هو العجيب حقاً بأن الخطاب العربي في عمومه ما زال يتحدث عن السيادة العربية على القارة السمراء، وكأن الأفارقة هرولوا إلى قمة مصر باحثين عن سيد يسوقهم للمجتمع الدولي!.

والسؤال الأول... لماذا انحصر الخطاب البرلماني الإفريقي ضمن دائرة التنمية المستدامة، ولم يخرج عن نطاق التشاور والتنسيق، فهل هذا فقط مع العرب أم هو منهجهم مع الجميع؟.

كما أن الخطاب البرلماني العربي كان سياسياً بإمتياز والذي قابله خطاب إفريقي تنموي متزن، لكن استطاع الأفارقة إحتواء أهم التوصيات المصيرية لصالح الإتحاد الإفريقي وليس لصالح الجامعة العربية.

والسؤال الثاني... كيف نفهم قبول الأفارقة دعوة الرئيس المصري لإعادة النظر في التشريعات والإتفاقيات الخاصة بمكافحة الإرهاب، في حين رفضوا التضامن مع البرلمانيين العرب في التصدي لقانون جاستا الأمريكي؟
........................................................

ما زالت جميع برلمانات دول العالم الثالث ومنها العربية والإفريقية دون المستوى المطلوب منها في بناء حلقة الوصل بين الشعب وصناعة القرار السياسي الخارجي، من خلال سن تشريعات السياسيات الخارجية، أو العمل على تحديد مسار تحركات الدولة في علاقاتها الخارجية، وذلك من خلال المقارنة مع بعض برلمانات الدول الغربية، والتي أصبحت جزءاً من المنظومة الحاكمة لا يمكن تجاوزها أو السير بخلاف الأغلبية الشعبية، وهناك الكثير من الأسباب، يرجع بعضها إلى أن البرلمانات العربية والإفريقية ما زالت قائمة على القبلية المُشبعة بالمال، ومع حصر صناعة القرار السياسي داخل أروقة الحكم وغلق الأبواب أمام ممثلي الشعوب، أصبح دور البرلماني قائم على صناعة المشاريع الخدماتية وليس التشريعية، وهو أشبه بمهام "البلديات". بينما البرلمانات الغربية قائمة على الكفاءات العلمية المؤهلة للبحث في شؤون الدولة الداخلية والخارجية، مما اضطرت تلك الحكومات على ترسيخ سياساتها الخارجية على منهجية البحث العلمي لمواجهة التفكير الشعبي الباحث، من خلال الإرتباط الوثيق مع مراكز الدراسات السياسية والأبحاث المتعلقة بالشؤون الخارجية.

وحول موقف جنوب إفريقيا من المنظومة البرلمانية العالمية ورؤيتها لبرلمان عموم إفريقيا، فقد حرصت على أن تكون "جوهانسبرغ" المقر الرئيسي للبرلمان الإفريقي، بعد أن أخذ الكثير من الأفارقة ينظرون لبرلمان جنوب إفريقيا كنموذج جديد يتناسب مع المعطيات الإفريقية ومتطلبات الأفارقة للمرحلة المقبلة.

كما أن جنوب إفريقيا تدرك جيداً أنها ليست من العالم الأول ليكون جميع ممثلي شعبها من الباحثين والمختصين في رسم السياسات الخارجية، وأيضاً تريد الخروج من العباءة التقليدية القائمة على القبلية كما هو في العالم الثالث، فعملت على حصر مشاريع السياسة الخارجية ضمن محورين، وهما:

                        المحور الأول... هو الحكومي، والذي يشمل دار الرئاسة ووزارة الخارجية مع الجهة الحكومية المختصة لسياسات معينة.
                        المحور الثاني... غير الحكومي، والذي يشمل مراكز الدراسات والأبحاث والأحزاب المعارضة ولجنة برلمانية خاصة.

وبذلك يُمكن وصف منهجية جنوب إفريقيا في سياستها الخارجية بأنها مجموعة من القرارات الصادرة عن دار الرئاسة بعد توصيات وزارة الخارجية وبتنسيق مع مراكز الدراسات والأبحاث.

وما هو الجديد في تلك المنهجية هو التوافق بين المعارضة واللجنة البرلمانية حول السياسة الخارجية دون إثارتها أو طرحها على الشعب بشكل واضح وصريح، كما أن دعوة حكومة جنوب إفريقيا لمؤسسات إقتصادية إفريقية لتمويل مشاريع الإتحاد الإفريقي هو مؤشر نجاح هذه المنهجية التي جذبت تلك المؤسسات لدعم ما تفعله جنوب إفريقيا في القارة الإفريقية والشرق الأوسط.

إذاً... ليست جنوب إفريقيا فحسب؛ بل الكثير من الدول الإفريقية تسعى إلى تسيير برلماناتها وفق نظام جديد من حيث لا يخرج عن القبلية التقليدية، ودون أن يؤثر على التعددية الحزبية، ثم العمل على توجيه جميع الرؤى البرلمانية الإفريقية نحو التشريعات التنموية، والإشراف على المنجزات الإقتصادية الحكومية والأهلية. فتحييد وعزل هذه البرلمانات عن تشريعات السياسات الخارجية له الكثير من الأسباب، وتأتي أهمية بعضها من:

أولاً... إرتباط السياسات الخارجية الإفريقية بالدول العظمى.
ثانياً... بعض متغيرات السياسات الخارجية الإفريقية غير واضحة الرؤية والأهداف.
ثالثاً... التصادم بين السياسيات الخارجية الإفريقية سرعان ما يتحول إلى صراعات دموية.

وبذلك يمكن القول بأن هناك تشابهاً بين البرلمانات العربية والإفريقية، من حيث أن كليهما مؤسسات خدماتية غير قادرة على صناعة القرار السياسي وخاصة المتعلق بسياسة الدولة الخارجية، ولكن تفوق وتميز برلمان جنوب إفريقيا على كافة البرلمانات الإفريقية والعربية من حيث:

أولاً... فصل الولاء السياسي للدولة والإنتماء الحزبي عن سياسية جنوب إفريقيا الخارجية، وربط الولاء والإنتماء بالأخلاق والقانون ضمن الهوية الواحدة التي تجمع جميع أطياف وألوان المجتمع المدني، وهذه الخطوة لا يمكن تحقيقها إلا بعد توافق الحكومة والمعارضة على نهج خاص للسياسة الخارجية، والحصول على ثقة الشعب بأن جميع المشاريع السياسية الخارجية تهدف لمصلحة الشعب الإفريقي ضمن الهوية الإفريقية المشتركة.
                        ثانياً... ربط السياسات الداخلية (الخدمات) بكل أنواع الحراك الشعبي داخل البرلمان، والعمل على منح البرلمان كافة الصلاحيات الدستورية والقانونية في تحقيق المطالب الشعبية.

وما هو جدير الإنتباه له، إجتماع رئيس جنوب إفريقيا مع رؤساء البرلمانات الإفريقية في مدينة جوهانسبرغ قبيل الإجتماع البرلماني العربي الإفريقي في مصر، والذي تناول فيه الرئيس زوما مستقبل البرلمانات الإفريقية من خلال توسيع دائرة العلاقة بين البرلمان الإفريقي والإتحاد الإفريقي، عبر مراقبة ومتابعة الإتفاقيات الإقليمية والدولية المتعلقة بالقارة الإفريقية، كما طالب الرئيس زوما رؤساء البرلمانات الإفريقية بضرورة توجه البرلمانات الإفريقية نحو المؤسسات الدولية المختصة في التنمية بكل أشكالها، والتشاور مع المجموعات الإقتصادية العالمية.

والشاهد من الشرح المختصر حول منظومة برلمان جنوب إفريقيا كونه النموذج الأفضل للكثير من الأفارقة، وأن مدينة جوهانسبرغ هي عاصمة البرلمان الإفريقي، من أجل توضيح وظيفة برلمان عموم إفريقيا، والتي لا تخرج عن النطاق التنموي لشعوب إفريقيا، فعادة ما يُفسر بعض العرب الهدوء البرلماني الإفريقي في الجوانب السياسية كنوع من الخوف أو عدم فهم المجريات السياسية، والأمر ليس كذلك في الكثير من الدول الإفريقية بقدر ما هي توزيع للمهام، فقد أخذت مراكز الدراسات والأبحاث دورها في رسم السياسات الخارجية لبعض الدول الإفريقية عبر مراكزها في الجامعات الإفريقية، وخاصة في جامعات جنوب إفريقيا.

وبذلك تكون الإجابة على السؤال الأول بأنه من الطبيعي أن ينحصر الخطاب البرلماني الإفريقي ضمن التنمية المستدامة، والأمر ليس مع العرب فقط، بل مع جميع البرلمانات العالمية، حيث أصبحت الغاية من تلك الإجتماعات الإفريقية هو جذب العالم للقضايا الإفريقية ومساندة الأفارقة في التخلص من المعوقات التنموية في القارة الإفريقية.

وعلى الرغم أن الخطاب البرلماني العربي كان سياسياً بإمتياز والذي قابله خطاب إفريقي تنموي متزن، استطاع الأفارقة إحتواء أهم التوصيات المصيرية لصالح الإتحاد الإفريقي وليس لصالح الجامعة العربية، وهي:

أولاً... خلو إعلان البرلمان العربي الإفريقي في توصياته من التضامن المشترك مع السعودية برفض قانون جاستا الأمريكي، ويرجع ذلك بأن القانون جديد ولم يطرح على طاولة الإتحاد الإفريقي لقياس مدى توافق القادة الأفارقة عليه كبقية القضايا السياسية.
ثانياً... تضمن الإعلان في المادة الأولى توافقاً عربياً إفريقياً على دعم ومساندة حق الشعوب في تقرير مصيرها، دون الإشارة أو التوافق على مفهوم عربي إفريقي مشترك حول حق تقرير المصير.

لا شك أن العرب والأفارقة متوافقين على مبادئ حقوق الإنسان، ولكن هناك إختلاف في توفير الغطاء الضامن لحفظ حقوق الإنسان، فالعرب ينظرون إلى التضامن الشعبي مع الكيان السياسي ضمن الدولة الواحدة هو الغطاء الأسمى للإنسان وحقوقه، في حين يرى الأفارقة أن الغطاء الأفضل للإنسان الإفريقي يكمن في حق تقرير المصير لمجموعة من القبائل قادرة على بناء دولة مستقلة.

وللإجابة على السؤال الثاني... حول قبول الأفارقة دعوة الرئيس المصري لإعادة النظر في التشريعات والإتفاقيات الخاصة بمكافحة الإرهاب، يرجع إلى أنها دعوة متوافق عليها بين الكثير من القادة الأفارقة في القمم الإفريقية، بل هي دعوة جنوب إفريقيا منذ سنوات، والتي أخذت العمل على ربط الإرهاب بالجريمة المنظمة المرتبطة بالاتجار غير المشروع للأسلحة وعمليات الإختطاف والإبتزاز، وما يرتبط بها من جرائم الفساد وغسيل الأموال والمخدرات وكافة الأنشطة التي تهدد أمن وإستقرار الشعوب.

وفي الخلاصة المستوحاة من التقرير هو أن القارة الإفريقية أخذت ترتكز على ثلاثة جوانب، الأول هو الإعلام الإفريقي الذي يتناول القضايا الإفريقية الداخلية، والثاني البرلمان الإفريقي الذي يعمل على ربط الهموم الإفريقية بالمنظمات الدولية والمشاريع التنموية، بينما الثالث هو الجانب الحكومي الذي أخذ يتوجه في قراراته السياسية بناءاً على توصيات مراكز البحث السياسي والإستراتيجي المتخصصة في تطلعات الأفارقة نحو المنطقة والعالم.

وعندما نقول أن البرلمان العربي الذي يمثل (23) دولة عربية لم يستطع كسب تعاطف البرلمان الإفريقي في الإعلان المشترك حول التصدي لقانون جاستا الأمريكي، في حين التعاطف العربي مع الأفارقة في حق تقرير المصير الذي قد يضرب الصحراء المغربية وسيناء المصرية، كما ضرب السودان وفصل جنوبه، هو مؤشر واضح وصريح بأن البرلمانات العربية غير مدركة لمفهوم الأفارقة لحق تقرير المصير.

وحول مطالبة الرئيس المصري بإعادة تشريعات الحرب على الإرهاب أمام البرلمان الإفريقي سوف يكون له نتائج غير التي يبحث عنها العرب،  حيث أن مفهوم الإرهاب عند الأفارقة أخذ يرتبط بالجريمة المنظمة، فنظرة بعض الأفارقة بأن ما يحدث في سوريا هو مجموعة من الجرائم المرتبطة بالأموال الخارجية.

وما هو المطلوب من العرب أمام البرلمان الإفريقي في الإجتماعات القادمة هو توجيه القدرات والخبرات الإفريقية في مشاريعها التنموية وعلاقاتها الدولية نحو الإهتمام العربي الإفريقي المشترك بتنمية جزر القمر وجيبوتي والصومال وتشاد والسنغال ومالي وموريتانيا. وما هو جدير البدء به هو إعادة تصنيف القارة الإفريقية على مستوى جامعة الدول العربية، وإنهاء حقبة إفريقيا السمراء القائمة على الحالات الإنسانية والمساعدات الخيرية، والنظر بجدية إلى أنها القارة الجديدة الجاذبة للتنافس العالمي، وأنها الجزء المكمل للأمن القومي العربي.

فالحديث مع البرلمان الإفريقي حول تنمية هذه الدول هو جزء من الإختصاص الموكل للبرلمان الإفريقي، كما فيه إيحاء للأفارقة بأن العرب هم جزء من جغرافية وديموغرافية إفريقيا، وليس للأفارقة هذا الحجم على الساحة العربية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جراجمة القدس

الفسيفساء الفلسطينية

الشؤم الفلسطيني