الشعب السوري... أقلية؛ فمن هم الأغلبية؟!
دائماً
ما يُنادي المجتمع الدولي بضرورة دمج المهاجرين العرب بالثقافة الغربية، في حين
يُحذرون الدول العربية من التدخل في شؤون الأقليات العرقية والدينية، أو مجرد مُحاولة
دمجهم بالثقافة العربية والإسلامية. فالمهاجرون من العرب والمسلمين هم "جاليات"
في بلاد الغرب، بينما غير الأعراق العربية وغير الإسلامية في بلاد العرب هم "أقليات".
وعلى الرغم أن الفرق ليس شاسعاً بين المُصطلحين من حيث المفهوم العام لحقوق
الإنسان؛ ولكن إخضاع هذه المُصطلحات لمجموعة من الأهداف السياسية كان له دور فيما
يحدث على أرض العراق وسوريا. فالجميع أخذ يُدرك ودون الحاجة إلى جدل أو بحث
وتحليل، بأن الحرب الحقيقية هي ليست إلا بين الناطقين باللغة العربية تحت مُسميات
حقوق الأقليات.
وفي ظل هذه الإزدواجية المُتناقضة؛ أخذت بعض
وسائل الإعلام العربي تُصفق لكل من ألمانيا وكندا على حُسن إستقبالهم للاجئين
السوريين، بل انتشرت صور "أنجيلا ميركل" وهي تتباكى وسط اللاجئين
السوريين. وما هو جدير بتوضيحه بأن كلاً من المانيا وبريطانيا وأستراليا وفرنسا أعربوا
قبل عدة سنوات عن رفضهم لسياسة "تعدد الثقافات" وهي السياسة المُتبعة في
الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث تقوم هذه السياسة على حفظ خصوصية ثقافة الجاليات
في المجتمع المُهاجر له. حيث شككت هذه الدول المذكورة في عهد رئيس وزراء بريطانيا "ديفيد كاميرون" والرئيس الفرنسي
"نيكولا ساركوزي" بتلك السياسة خوفاً من الإرهاب الداخلي الناتج عن
إرتباط الجاليات العربية والإسلامية بالثقافة العربية والإسلامية، وكان البديل المطروح هو دمج جميع المهاجرين
بالمجتمع وثقافة المجتمع المُهاجر له. وهذا يعني أن "أنجيلا ميركل" لم
تقبل بدخول اللاجئين السوريين إلا بعد ضمان فعالية مجموعة من البرامج الإجتماعية
التي سوف تدمج اللاجئيين السوريين في المجتمع الألماني، والتي تُعرف في علم
الإجتماع السياسي بمرحلة "ذوبان الهوية" أي التخلي عن ثقافتهم الإسلامية
وهويتهم العربية على المدى البعيد.
إذاً؛ نحن أمام مرحلة جديدة تجاوزت كل مفاهيم
الجاليات والأقليات بالشكل التقليدي، وأن الخصوصية الثقافية للفرد العربي المُهاجر
لم تعد ذات إيجابية أمام الحكومات الغربية، وما هو البديل حقاً عندهم هو ذوبان
الهوية أي إنصهار الفرد العربي في ثقافة المجتمع الغربي.
ولكن مع القليل من التفكير والتمعن في الوصف
الإجتماعي للشعب السوري الذي ما زال على أرض بلاده سوريا، وهو السؤال المطروح بحقيقة
التصنيف الإجتماعي لمن لم يُهاجر منهم. فالقول بأن الشعب السوري هو الأغلبية لم
يعد يتناسب مع المنطق والواقع، فالأغلبية السُكانية ليست متوافقة مع جميع الأحداث
على الأرض السورية، كما القول بأن الطائفة العلوية هي التي تحكم الشعب السوري هو
أمر يتناقض مع وجود الجنود الأجانب الذين يُقاتلون مع العلويين في سوريا.
ولقولي خلاصة؛ وهو أن جميع من هم بأرض سوريا ليسوا إلا أقلية
وسط أغلبية غير مُصنفة في علم الإجتماع السياسي الحديث، وهي الأغلبية غير المعهودة
سابقاً والقائمة على مجموعة من القرارات السياسية غير التابعة لهوية بعينها بقدر
ما هي تابعة لهوية المصالح الدولية. وهذا يعني لنا بأن المشكلة في سوريا تجاوزت
مفهوم من هم الأغلبية ومن هم الأقلية ولمن الحكم في سوريا؛ حيث سوف يبقى الشعب
السوري أقلية على مدى العقود القادمة، وإن كان جميعهم ينتسبون لهوية وعقيدة واحدة.
وربما جميع ما ذُكر يعود إلى عدم تحقيق
التوازنات الإجتماعية ما بين الشعوب العربية، وعدم الإكتراث في تطبيقات المجتمع
الدولي لمفاهيم حقوق الإنسان ما بين المهاجرين العرب ومن هم من غير العرب على أرض
العرب؛ والذي خاض مغامرته دعاة اليسار والقومية.
تعليقات
إرسال تعليق