القرضاوي.. ومن هم التكفيريون وفق المصالح الأوروبية؟!


لم تتخذ الدول الأوروبية ومُنظماتها الحقوقية إجراءات تدعم التصنيف السعودي الهادف لتجفيف منابع الإرهاب على الصعيد الفكري والدولي، فبعد مرور أكثر من عام على تصنيف الداعية يوسف القرضاوي رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين بأنه رجل الإرهاب الأول الذي يستغل خطابه الإسلامي لتغطية أنشطة الإتحاد العالمي الإرهابية؛ ما زال حراً طليقاً يعتلي المنابر الأوروبية قبل العربية.. فمن هم التكفيريون في عيون الأوروبيين؟!.

***

كان لابد من تصفح أرشيف الموقع الإلكتروني للإتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ليس للبحث عن الفتاوى التكفيرية التي يخلو منها تماماً، وما دعوته إلا للسلام والأمن الإنساني. بل من أجل تجسيد نشاطات الإتحاد وفق الشكل المُراد رسمه للشخصية العربية الجديدة في الشرق الأوسط.

علماً أن تأسيس الإتحاد العالمي ليس ببعيد عن الكواليس الغامضة المُرتبطة بسقوط العراق عام 2003. فكان أول هيئة إسلامية تجمع أهل السنة والجماعة العربية مع الصوفيين والشيعة على درجات متساوية دون مراعاة ديموغرافية من هم الأغلبية أو الأقلية، أو من هم دون الأقلية كالإباضيين والعلويين.

كما عمل الإتحاد على إعادة صياغة شروط ومواصفات علماء الشريعة الإسلامية واستبدالها بالمهارات اللغوية والخطابية لإستقطاب الشعوب العربية؛ ربما تمهيداً لنقل مركزية الفقه الإسلامي من مصر والسعودية إلى العاصمة البريطانية لندن التي احتضنت مشاورات تأسيس المشروع في تموز 2004.

وبعد البحث والربط بالمقارنة؛ اتضح أن الخطاب الديني المُوجّه للشعوب العربية كان عبر الفتاوى الدينية، وهي أشد قسوة من الخطاب المُوجّه لعرب المهجر من خلال المؤتمرات الإسلامية التي قدمت أفضل التسهيلات الدينية بعد إبتداعهم فكرة "فقه المغتربين".

ومثال على ذلك؛ حثَّ الإتحاد العالمي من خلال مؤتمراته الإسلامية في أوروبا وأمريكا على ضرورة إندماج المهاجرين العرب في المواطنة الغربية، والتي هي مُلزمة للمهاجر العربي بالإنخراط في جيوش "الناتو" للقتال في افغانستان وليبيا، كما تم رفع الحرج عن الفتاة العربية المهاجرة في إرتدائها للملابس شبه العارية للسباحة مع زميلاتها.

بينما الفتاوى الدينية التي صدَّرها الإتحاد العالمي للشعوب العربية كانت على خلاف هذه السعة التي مُنحت للمهاجرين العرب، فكان تحريم الإنخراط في الجيش المصري لقتاله فئة ضالة من الخوارج ومهربي المخدرات والسلاح في سيناء، وفتاوى لإسقاط الحكم السعودي الذي سمح للمرأة السعودية قيادة السيارة وهي بكامل حجابها.  

والخلاصة فيما ذُكر؛ أن الاتحاد العالمي عمل وفق ثلاثة برامج إجتماعية لها من المؤثرات غير المُباشرة على أنظمة الحكم في الدول العربية، فالبرنامج الأول هو "أسلمة الثورة الإيرانية" بعد سقوط العراق مباشرة، حيث عملت أسطورة المقاومة الإيرانية على تمييع الهوية العقائدية للمسلم العربي بعد أن تغاضى الإتحاد العالمي عن ثوابت العقيدة تماماً. ثم استبدلها بالعدالة التي لا تصل ذروتها إلا في الأنظمة الديموقراطية الغربية من خلال البرنامج الثاني وهو "أسلمة النظم الأوروبية". بينما البرنامج الثالث هو "أسلمة المواطنة في بلاد المهجر" عبر سلسلة من المؤتمرات الإسلامية التي قدرّت الضرورة فقط في المجتمعات غير العربية.

وهذا ما خلق توتراً بين صفوف الشباب العربي، فقد تم تغذية العقل الباطني بعلاقة طردية لا يُدركها المواطن العربي بشكل مباشر، وهي العلاقة بين المجتمع الأوروبي وتطبيق الإسلام؛ أي كلما استوردنا الأدوات الإجتماعية الأوروبية وخاصة الديموقراطية والعدالة يزداد الإسلام سهولة ويسراً في التطبيقات الإجتماعية العربية، والأمر هذا لا يتحقق إلا بعد أسلمة الثورة الإيرانية للتقليل من أهمية الهوية العربية وعقيدتها الإسلامية.

والشاهد هنا؛ أن المنهج التكفيري الذي يقوده الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين ليس بالعبارة الصريحة والمباشرة "انت كافر" بقدر ما هو العمل على أسلمة حياة ومناهج الأوروبيين، وهو المنهج الأخطر من التكفير المباشر، أو يُمكن القول هو البناء الجديد لخوارج العصر.

وتلك هي الحلقة المفقودة التي توضح لنا من هم التكفيريون في عيون الأوروبيين، نحن أم الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذين يعملون وفق المصالح الأوروبية، ويجلبون مصالحهم أكثر ما يُفسدون عقولنا وبلادنا العربية.

 

 

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جراجمة القدس

الفسيفساء الفلسطينية

الشؤم الفلسطيني