وشأن السعوديين!

"من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم"... حديث نبوي، والأغلب أنه ضعيف، رغم إشارة بعض العلماء إلى أن المتن لا يتعارض مع الحديث الصحيح الذي وصف المؤمنين بالبنيان المرصوص في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد.

وهو من أكثر الأحاديث النبوية المتداولة حالياً على ساحات التواصل الاجتماعي في القضايا الجدلية التي محورها العلاقة بين العرب وغيرهم من المسلمين غير العرب. هذه الجدلية انطلقت من رحم دعاة الإسلام السياسي، بمن فيهم الإخوان المسلمين، والتي بدأت بتحفيز الشباب العربي على الاهتمام بكل ما يحدث في مجتمعات الأقليات المسلمة، أفغانستان نموذجاً، ومن ثم تشجيعهم على الانخراط في صفوف القتال معهم.

وبسبب خوف الشباب العربي من ألاّ يكونوا منهم، أي ليسوا بمسلمين كالأفغان، ومن أجل أن يكونوا ضمن جسد الإسلام الأفغاني؛ انقلبوا على المنظومة الفكرية العربية التي تدمرت على أثرها الكثير من المقدرات الوطنية لبعض الدول العربية.

بوضوح تام، الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي نصت على تواد وتراحم وتعاطف العرب مع المسلمين غير العرب هي محل اعتزازنا المنطلق من عقيدتنا الإسلامية وتقاليدنا العربية، حتى أن المنظومة الدولية أقرت هذه الخصوصية من خلال اعترافها بجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي.

المعضلة تكمن في إسقاط هذه النصوص على فئة معينة دون الآخرين؛ فالإسلام السياسي بأدبياته وثوابته المعادية للعرب فرض على الشباب العربي الاهتمام بشؤون المسلمين غير العرب دون أن يطالبهم بمراعاة أحوال العرب كعلاقة متساوية بالحقوق والواجبات بين جميع من ينتمون للدين الإسلامي.

وهو ما فعله الإخوان المسلمون، تهييج الشباب العربي ضد أوطانهم والأخص السعودي لنصرة الأفغان دون أن يُطالِبوا الأفغان بالاهتمام بشؤون العرب من خلال إعادة النظر لأفعالهم التي أضرت العرب أمام المجتمع الدولي. وهذا ما حدث مع شيعة العراق بالضبط، الذين قدّموا مصالح إيران على اهتمامهم بشأن بلدهم العراق.

فحسب الإسقاط الدلالي الذي فرضه دعاة الإسلام السياسي على الحديث (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم)؛ هو أن السعودي لن يكون مسلماً إلإ بعد الإهتمام بالشأن الأفغاني وتقديمه على وطنه السعودية، بينما الأفغاني سوف يبقى على إسلامه وإن لم يهتم بالشأن العربي بل وإن حارب السعودية معقل الحرمين الشريفين.

لا شك أن لهذه الإسقاطات الدينية مصالح سياسية تتبع أجندات محلية وخارجية، ولكن بعيداً عنها بعض الشئ، فما يهمنا هنا هو الآثار السلبية لهذه الإسقاطات على الهوية الاجتماعية والوطنية، والتي عادة ما تكون مخفية وغير ظاهرة أمام صناع القرار السياسي.

إن سقوط سوريا والعراق لهما دور كبير في أن تكون السعودية هي محطة القومية العربية القادمة لا محالة، وهو الأمر الذي سوف يفرض على المتربصين للمنظومة الفكرية العربية الجديدة منع انطلاقتها بالحلة الفكرية السعودية بعمقها العربي. لذلك ما يلزمهم هو فرض النموذج الجهادي الأفغاني أو الشيوعية الفلسطينية تحت مسميات من لم يهتم بأمر المسلمين فهو ليس منهم.

وهو ما يجب أن يدركه الشباب السعودي، أن الاهتمام بشؤون الآخرين غير مفروض عليهم بوصاية كهنوتية، ومن لم يهتم بشأن السعوديين، حماة الديار المقدسة، ليس بالضرورة أن يهتم السعوديون بشأنه، بل عليه أن يسأل من طالبه بالاهتمام بشؤون الآخرين دون موافقة من ولي الأمر: وماذا عن الشأن السعودي؟!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جراجمة القدس

الفسيفساء الفلسطينية

الشؤم الفلسطيني